فصل: (باب صفة الصلاة)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[مسألة:خفاء دلائل القبلة بغيم وحكم تعلم ذلك]

وإن كان ممن يعرف الدلائل ولكن خفيت عليه؛ لظلمة، أو غيم.. فقد قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فهو كالأعمى) وظاهر هذا أنه يجوز له التقليد.
وقال في موضع: (ولا يسع بصيرا خفيت عليه الدلائل أن يقلد غيره).
واختلف أصحابنا فيها:
فقال أبو إسحاق: لا يقلد، قولا واحدًا، بل عليه أن يتعلم ويجتهد؛ لأنه يمكنه ذلك. وقول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (هو كالأعمى) أراد: في وجوب الإعادة، إذا ضاق الوقت عن الاجتهاد.. فإنه يصلي ويعيد، كالأعمى إذا لم يجد من يقلده.
وقال أبو العباس: هي على حالين: إن ضاق الوقت.. قلد غيره، وإن اتسع.. تعلم واجتهد.
وقال أكثر أصحابنا: هي على قولين - وهو الصحيح -.
أحدهما: يقلد لأنه خفيت عليه الدلائل، فهو كالأعمى.
والثاني: لا يقلد؛ لأنه من أهل الاجتهاد.
وإن كان من ممن لا يعرف الدلائل، ولكن إذا عرفها عرف، فإن كان الوقت واسعا.. لزمه أن يتعرفها، ولا يقال: إن ذلك تقليد، كما أن العامي إذا أخبر العالم بخبر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واستدل به.. لا يقال: قلده فيما حكم به.
فإن أمكنه التعلم، فأخره حتى ضاق الوقت عن التعلم والاجتهاد... صلى بالتقليد، وهل يعيد؟ فيه وجهان، كمن كان معه ماء، فأراقه بعد دخول الوقت وتيمم.
وإن لم يجد من يتعلم منه إلا في آخر الوقت، وضاق الوقت عن التعلم والاجتهاد، أو كان محبوسا في موضع لا يتمكن فيه من الاجتهاد.. فهل يجزئه أن يقلد غيره؟ على الطرق الثلاث في المسألة قبلها.
إذا ثبت هذا: فإن تعلم ما يكفي من دلائل القبلة فرض من الفرائض الأعيان؛ لأنه لا يمكنه أداء الصلاة إلا بذلك.

.[فرع: الغريق والمريض]

قال في الإبانة [ق\60] إذا بقي الغريق على خشبة في البحر.. فإن يصلي على حسب حاله، وهل يعيد؟ فيه قولان.
وإن لم يجد المريض من يوجهه إلى القبلة.. صلى كيف أمكنه، فمن أصحابنا من قال في وجوب الإعادة عليه القولان في الغريق.
ومنهم من قال: يعيد، قولا واحدا؛ لأن ذلك نادر.

.[مسألة:في التنفل على الراحلة]

يجوز التنفل في السفر على الراحلة حيثما توجه إلى جهة مقصده؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115]، قال ابن عمر: نزلت هذه الآية في التطوع.
وروى ابن عمر قال: «رأيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي على حماره متوجها إلى خيبر».
ومن توجه إلى خيبر من المدينة.. فإنه يستدبر القبلة.
ويجوز ذلك في السفر الطويل والقصير.
وقال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - في " مختصر البويطي ": (وقد قيل: لا يتنفل أحد على ظهر دابة، إلا في سفر تقصر فيه الصلاة).
فقال البغداديون من أصحابنا: هذا على قول مالك، وليس بقول له.
والخراسانيون من أصحابنا: جعلوه قولا ثانيا للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
ودليلنا: ما روى ابن عمر: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلى على راحلته، حيثما توجهت به». ولم يفرق بين: الطويل والقصير.
ولأنه إنما جوز له ذلك في السفر؛ حتى لا ينقطع عن النافلة، وهذا المعنى موجود في السفر الطويل والقصير.
إذا ثبت هذا: فإن كان راكبًا في كنيسة واسعة أو عمارية يمكنه أن يدور فيها... فإنه يصلي إلى جهة القبلة، ويركع، ويسجد، كما يفعل بالسفينة، ولا يومئ.
فإن أمكنه القيام فيها، وأراد أن يصلي عليها الفريضة... ففيه وجهان:
أحدهما: لا يجوز - وهو المنصوص في "الأم" - لأن البهيمة لها اختيار بنفسها، ولا تكاد تثبت على حالة واحدة، فيؤدي ذلك إلى تغيره عن القبلة، بخلاف السفينة؛ لأنها لا تسير بنفسها وإنما يسيرها مسير إلى جهة واحدة لا تختلف.
والثاني - وهو قول القاضي أبي الطيب -: أنه يصح، كما لو صلى على سرير يحمله أربعة.
قال ابن الصباغ: وهذا إنما يكون إذا كانت راحلته واقفة، أو كان لها من يسيرها فتتبعه.
فأما إذا كان راكبا في كنيسة ضيقة، أو على: قتب، أو زاملة، أو سرج، وأراد أن يصلي عليها النافلة، وكانت الدابة واقفة، فإن كانت مقطرة... فله، أن يصلي حيثما توجه. وإن كانت منفردة... لزمه استقبال القبلة عند افتتاح الصلاة؛ لأنه يمكنه ذلك.
قال ابن الصباغ: والذي يقتضيه القياس: أنه ما دام واقفا.. فإنه لا يصلي إلا إلى القبلة، فإذا أراد السير.. انحرف إلى طريقه.
وإن كانت الدابة سائرة، فإن كانت مقطرة.. افتتح الصلاة، وأتمها إلى جهة مقصده.
وإن كانت منفردة، فإن كانت صعبة يشق إدارتها.. لم يلزمه إدارتها.
وإن كانت سهلة.. ففيه وجهان.
أحدهما: يلزمه إدارتها إلى القبلة، لافتتاح الصلاة، والركوع، والسجود؛ لأن ذلك يمكنه.
والثاني: لا يلزمه؛ لأن ذلك يقطعه عن سفره.
فإذا أراد أن يركع ويسجد.. أومأ إيماء إلا أنه يجعل السجود أخفض من الركوع.
فإن سجد على مقدمة سرجه أو رحله... جاز، ولا يلزمه ذلك.
وإذا استفتح الصلاة إلى جهة مقصده، ثم انحرف عنها إلى جهة ثانية، وثالثة، وكل ذلك جهات مقصده.. صحت صلاته.
وإن انحرف إلى غير جهة مقصده، فإن كان جهة القبلة.. صحت صلاته؛ لأن القبلة هي الأصل. وإن كانت غير جهة القبلة، فإن كان عالما بذلك.. بطلت صلاته؛ لأنه عدل عن القبلة بما لا حاجة به إليه.
وإن كان مخطئا، بأن نسي أنه في الصلاة، أو ظن أنها جهة مقصده، أو غلبته الدابة.. قال الشافعي رحمه: (فإن رجع عن قريب.. بنى على صلاته، ولم يسجد للسهو، وإن تمادى ساهيا، ثم ذكر.. عاد وبنى على صلاته، وسجد للسهو).

.[فرع: المسافر يدخل بلدًا مصليًا]

وإذا دخل الراكب بلدا وهو في الصلاة، فإن كان بلد إقامته، أو نوى الإقامة فيه... فعليه أن ينزل، ويتم صلاته إلى القبلة، ولا يؤثر النزول في الصلاة؛ لأنه عمل يسير.
وإن كان مجتازا فيه.. فإنه يتم صلاته إلى جهة مقصده، ولا تأثير للبنيان.
وإن دخله لينزل فيه، ثم يرتحل.. فإنه يمضي على صلاته، ما دام سائرًا، فإذا نزل.. صلى إلى القبلة.
وإن كان له فيه أهل ومال، ولم ينو الإقامة فيه.. ففيه قولان، حكاهما في "الإبانة" [ق\61\أ]:
أحدهما: حكمها حكم دار إقامته؛ تغليبا لأهله وماله.
والثاني: حكمها حكم الصحراء؛ لأنه مسافر فيها.

.[فرع: تنفل المسافر الماشي]

وإن كان المسافر ماشيا... جاز له أن يتنفل إلى جهة مقصده.
وقال أبو حنيفة، وأحمد: (لا يجوز).
دليلنا: أنه إحدى حالتي مسير السفر، فجاز فيه التنفل، كحالة الركوب.
إذا ثبت هذا: فإن الماشي يلزمه استقبال القبلة عند افتتاح الصلاة، وعند الركوع والسجود؛ لأن ذلك لا يقطعه عن السير. وهل يلزمه السجود على الأرض، أو يكفيه الإيماء، كالركب؟ فيه وجهان، حكاها في "الإبانة" [ق\61\أ]:
الصحيح: يلزمه ذلك على الأرض. وهل يلزمه استقبال القبلة في السلام؟
فيه وجهان.
ويجوز له القراءة والتشهد، وهو يمشي إلى جهة مقصده؛ لأن مدته تطول.

.[فرع: حكم غير الفرائض في السفر]

ويجوز سجود التلاوة والشكر، والسنن الرواتب في السفر في حال السير؛ لأنها نوافل.
وهل تصح فيه صلاة النذر؟ فيه قولان، بناء على أنه: هل يسلك به مسلك النفل، أو الفرض؟
وفي ركعتي الطواف قولان، بناء على القولين في وجوبهما.
قال الصيدلاني: ولا تصح صلاة العيد، والخسوف والاستسقاء في حال السير في السفر؛ لأنها تندر.
وأما صلاة الجنازة، فإن تعينت عليه.. لم يجز فعلها في السير في السفر؛ لأنها واجبة عليه، فهي كفرائض الأعيان.
وإن لم تتعين عليه.. فوجهان، حكاهما ابن الصباغ:
أحدهما: تصح؛ لأنها غير واجبة عليه، فهي كسائر النوافل.
والثاني: لا تصح - وهو المنصوص - لأنها وإن لم تتعين عليه، فإنها تقع واجبة، وليست بتطوع.

.[فرع: تنفل الحاضر]

فأما إذا أراد الحاضر أن يتنفل، فإن كان واقفا... لم يجز له ترك الاستقبال.
وإن كان سائرًا.. فهل يجوز له ترك الاستقبال في النفل؟ فيه وجهان:
أحدهما: وهو قول أبي سعيد الإصطخري -: أنه يجوز له؛ لأن عادة الناس في الحضر المشي في حوائجهم أكثر النهار، فجوز لهم ترك الاستقبال في النفل، لئلا ينقطعوا عنه، كما قلنا في السفر.
والثاني - وهو الصحيح -: أنه لا يجوز؛ لأن الغالب من حال الحاضر اللبث والمقام.

.[مسألة:سترة المصلي]

المستحب لمن يصلي إلى السترة أن يدنو منها؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا صلى أحدكم إلى السترة... فليدن منها».
قال الشافعي: (والمستحب أن يكون بينه وبينها ثلاثة أذرع، أو أقل)؛ لما وري: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان بينه وبين قبلته قدر ممر العنز»: وهي الشاة.
وقد يكون ثلاثة أذرع أو أقل، ولا يتباعد منها أكثر من ذلك؛ لما روى ابن المنذر: أن مالكا كان يصلي مباينا عن السترة، فمر به رجل لا يعرفه، فقال: أيها المصلي، ادن من سترتك، فجعل مالك يتقدم، ويقول: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: 113].
فإن كان يصلي في الصحراء.. فالمستحب: أن ينصب بين يديه عصا، ويكون طولها ذراعا، لما روى طلحة بن عبيد الله: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل.. فلا يبالي من مر وراء ذلك».
قال عطاء: مؤخرة الرحل ذراع.
وروى ابن عمر: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا خرج إلى العيد.. تنصب له الحربة، فيصلي إليها، وكذلك كان يفعل في السفر».
قال الشيخ أبو حامد: ومن هناك اتخذ الولاة ينصبون الحربة في العيد.
قال في " مختصر البويطي ": (ولا يستتر بامرأة، ولا دابة).
وقد ذكر ابن المنذر، عن ابن عمر: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صلى إلى بعير».
قال في " البويطي ": (ولا يخط المصلي بين يديه خطا، إلا أن يكون فيه حديث ثابت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -... فيتبع).
وكرهه مالك، وأبو حنيفة.
وقال الشافعي في القديم: (أستحب له أن يخط بين يديه خطا) لما روى أبو هريرة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «فإن لم يكن معه عصا.. فليخط خطًا».
قال أصحابنا: يسن ذلك، قولا واحدًا؛ لهذا الحديث.
قال أبو داود: ويكون الخط كهيئة الهلال.

.[فرع: المرور بين يدي المصلي والتوجه لوجه آدمي]

قال المسعودي [في "الإبانة"] ويكره المرور بين يدي المصلي، إذا كان يصلي إلى سترة أو عصا أو خط، وكان بينهما ثلاثة أذرع، أو ذراعان. فإن مر بين يديه مار في هذه الحالة.. فله منعه.
وإن لم يجعل المصلي تلقاءه شيئا من ذلك. لم يكره المرور بين يديه؛ لأن المصلي فرط في حق نفسه.
وإن مر بين يدي المصلي مار.. لم تبطل صلاته.
وقال أحمد، وإسحاق: (إن مر بين يديه كلب أسود، أو امرأة حائض، أو أتان.. بطلت صلاته).
دليلنا: ما روى أبو سعيد الخدري: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «لا يقطع صلاة المرء شيء، فادرؤوا ما استطعتم».
ويكره أن يجلس رجل مستقبل القبلة للمصلي، لما روي: " أن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ضرب رجلين فعلا ذلك ". وبالله التوفيق.

.[باب صفة الصلاة]

إذا أراد الرجل أن يصلي في جماعة.. لم يقم، حتى يفرغ المؤذن من الإقامة.
وقال أبو حنيفة: (يقوم إذا قال المؤذن: حي على الصلاة، ويكبر إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة).
دليلنا: ما روي: أن بلالا لما أخذ في الإقامة.. قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أقامها الله وأدامها» وقال في سائر الإقامة كقوله، وهذا يبطل قول أبي حنيفة.
ولأن قبل الفراغ من الإقامة ليس بوقت للدخول، فلا معنى للقيام.
والقيام فرض في الصلاة المفروضة مع القدرة عليه؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]، قال الشافعي: (مطيعين).
وروى عمران بن الحصين قال: «كان بي بواسير، فسألت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الصلاة؟ فقال: صل قائمًا، فإن لم تستطع.. فقاعدًا، فإن لم تستطع.. فعلى جنب».
وأما النفل: فيصح قاعدا مع القدرة على القيام؛ لـ: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يتنفل قاعدًا على راحلته في السفر».
وهل له أن يتنفل مضطجعا، أو مومئا مع القدرة على القعود؟
فيه وجهان، حكاهما في "الإبانة" [ق\64].

.[مسألة:النية في الصلاة]

ثم ينوي، والنية واجبة في الصلاة، لا خلاف في وجوبها.
والأصل في وجوبها قَوْله تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5]. و (الإخلاص): هو النية.
ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى».
إذا ثبت هذا: فالكلام في محل النية، ووقتها، وكيفيتها.
فأما (محلها): فالقلب؛ لأن النية الإخلاص، ولا يكون الإخلاص إلا بالقلب.
فإن نوى بقلبه، وتلفظ بلسانه.. فقد أتى بالأكمل. وإن تلفظ بلسانه، ولم ينو بقلبه.. لم يجزه. وإن نوى بقلبه، ولم يتلفظ بلسانه.. أجزأه.
ومن أصحابنا من قال: لا يجزئه؛ لأن الشافعي قال: (وليس الصلاة كالحج؛ لأن الصلاة في أولها نطق واجب).
وهذا غلط؛ لأن النية هي القصد، وقد وجد منه ذلك، وما قاله الشافعي.. فإنما أراد به: النطق بالتكبير، لا بالنية.
وأما (وقتها): فإن الشافعي قال: (وإذا أحرم إماما كان أو وحده.. نوى صلاته في حال التكبير لا قبله، ولا بعده).
قال أصحابنا: لم يرد بهذا: أنه لا يجوز أن تتقدم النية على التكبير، ولا تتأخر عنه، وإنما أراد الشافعي بقوله: (لا قبله): أنه لا يجوز أن ينوي قبل التكبير، ويقطع نيته قبل التكبير.
وكذلك لم يرد بقوله: (ولا بعده): أنه لا يجوز استدامتها بعد التكبير، وإنما أراد به لو ابتدأ بالنية بعد التكبير.. لم يجزه، فإن نوى قبل التكبير واستصحب ذكرها إلى آخر التكبير أجزأه، وكذلك لو استدام ذكرها بعد الفراغ من التكبير.. أجزأه، وقد أتى بأكثر مما يجب عليه، ولا يضره ذلك.
وإن نوى قبل التكبير، واستصحب ذكرها في أول التكبير لا غير.. فهل يجزئه؟ فيه وجهان، حكاهما في "الفروع".
أحدهما: لا يجزئه؛ لأنه عري حرف من التكبير عن ذكر النية، فلم يجزئه، كما لو عري أول حرف منها.
والثاني: يجزئه - وهو اختيار صاحب "الفروع" - لأنه يشق استصحاب ذكر النية في جميع التكبير.
ويجب أن يستصحب حكم النية لا ذكرها في جميع الصلاة، كما قلنا في الطهارة. هذا مذهبنا.
وقال داود: (يجب أن تتقدم النية على التكبير، فإن نوى مع التكبير.. لم يجزئه؛ لأنه إذا نوى مع التكبير، فإلى أن تتكامل نيته، يمضي جزء من التكبير عاريا عن النية).
وقال أبو حنيفة، وأحمد: (إذا تقدمت النية على التكبير بزمان يسير.. جاز).
دليلنا على داود: أن النية ليست بلفظ يحتاج أن يأتي بها حرفا بعد حرف، فيتكامل ذلك في أزمنة متراخية، وإنما هي اعتقاد، والاعتقاد يمكن في جزء يسير.
وعلى أبي حنيفة، وأحمد: أنها تحريمة عريت عن النية، فلم تصح، كما لو تقدمت على التكبير بزمان طويل.
وأما (كيفية النية): فإن كانت الصلاة فرضا.. فلا بد أن ينوي: أنها الظهر، أو العصر؛ لتتميز عن غيرها. وهل يجب عليه أن ينوي: أنها فريضة عليه؟ فيه وجهان:
أحدهما: وهو قول أبي إسحاق، واختيار الشيخ أبي حامد -: أنه يجب عليه ذلك؛ ليتميز عن ظهر الصبي، وظهر من صلى وحده، ثم أدرك جماعة يصلون فصلاها معهم.
والثاني - وهو قول أبي علي بن أبي هريرة، وأبي حنيفة -: أنه لا يجب عليه ذلك؛ لأنها لا تكون على هذا إلا فرضا.
ولأن الصبي إذا صلى صلاة الوقت في أول الوقت، ثم بلغ في آخره.. أجزأه عند الشافعي وإن لم ينو الفريضة.
ولأن الشافعي قال: (إذا صلى وحده، ثم أعادها في جماعة... إن الله يحتسب له بأيتهما شاء)، هذا يدل على: أن نية الفرض لا تجب عليه.
وهل يلزمه نية أعداد الركعات، ونية استقبال القبلة؟ فيه وجهان، حكاهما في "الإبانة" [ق\61\ب] والصحيح: لا يلزمه.
وهل يلزمه أن ينوي: لله؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يلزمه؛ لأن الصلاة لا تكون إلا لله.
الثاني: يلزمه؛ ليتميز عن الصلاة اللغوية التي هي الدعاء.

.[فرع: نية القضاء]

وإذا أراد أن يصلي الفائتة... فهل تلزمه نية القضاء؟ فيه وجهان، وحكاهما الشيخ أبو حامد قولين.
أحدهما: قاله في القديم -: (أنه لا بد من نية القضاء؛ ليتميز عن صلاة الوقت).
والثاني -وهو قول القاضي أبي الطيب -: أنه لا يفتقر إلى نية القضاء؛ لأن الشافعي نص فيمن صلى يوم الغيم، وبان أنه صلى بعد الوقت: (أنه يجزئه)، ونص في الأسير، إذا تحرى، فوافق صومه ما بعد رمضان: (أنه يجزئه)، وكذلك لو اعتقد أن وقت الصلاة قد فات، فنوى القضاء، ثم بان أن الوقت باق.. أجزأه، فبان: أن نية القضاء ليست بواجبة.
قال ابن الصباغ: ويمكن أن يجاب القاضي عن هذا، فيقال له: هاهنا نوى صلاة وقت بعينه، وهو ظهر هذا اليوم، فكيف وقعت..أجزأه؛ لأنه قد عين وقت وجوبها، كمن نوى صلاة أمس فاتته.. فإن يجزئه وإن لم ينو القضاء. وإنما يتصور الخلاف فيمن عليه فائتة الظهر، فصلى في وقت الظهر، ينوي: صلاة الظهر الفريضة، فإن هذه الصلاة تقع بحكم الوقت.
وإذا كان نسى أنه صلى، فصلى ثانيا، ينوي: الظهر الفريضة، فيجيء على ما حكاه الشيخ أبو حامد عن القديم: أنه لا يجزئه عن القضاء، ويقع نافلة، وعلى قول القاضي.. يجزئه.
ولا يشبه هذا ما ذكره الشافعي لما مضى، ويلزم القاضي أن يقول: في رجل صلى قبل الظهر صلاة الظهر، يعتقد أن الوقت قد دخل ولم يكن دخل -: إنها تجزئه عن فائتة الظهر. وأما من صلى في غير وقت الظهر، ونوى: الظهر الفريضة، وهو عالم بالوقت.. فلا بد أن يكون عالما بسبب الوجوب، وهو فوت الظهر في وقتها، فقد تضمنت نيته القضاء. ومثل ما صورته في الصلاة لا يتصور في الصوم؛ لأنه لا يقضيه. إلا في غير زمانه، فإذا نواه في غير رمضان.. فقد تضمنت نيته القضاء.

.[فرع: النية لأكثر من صلاة فائتة]

قال في "الأم" [1/186] (ولو فاتته الظهر والعصر، فدخل في الصلاة ينويهما جميعا.. لم تجزئه)؛ لأن التعيين واجب، وتشريكه بين الصلاتين يمنع وقوعها لإحداهما.
قال: (ولو دخل بنية إحداهما، ثم شك، فلم يدر أيتهما نوى.. لم يجزئه هذا عن إحداهما، حتى يتيقن أيتهما نوى).

.[فرع: الاستثناء وتشريك النية بين فرض وسنة]

قال الصيدلاني: إذا زاد في النية: إن شاء الله. فإن أراد الاستثناء... لم تصح؛ لأنه أدخل في الصلاة ما ينافيها ويرفعها.
وإن أراد إيقاع الصلاة بمشيئة الله.. أجزأه؛ لأن الأفعال لا تقع إلا بمشيئة الله. وإن نوى الفرض والنفل.. لم تنعقد صلاته. وبه قال محمد.
وقال أبو حنيفة: (تنعقد بالفرض).
دليلنا: أنه نوى صلاتين مختلفتين، فلم تصح، كما لو نوى الفرض والجنازة. ذكره أبو المحاسن.